بسم الله الرحمن الرحيم
اَلدَّلائِلُ عَلَى أَنَّ اَلإِيمَانَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ
بَعْدَ الْمَوْتِ يَدْخُلُ فِي أَصْلِ الدِّين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى
آله وصحبه أجمعين، أما بعد:سُئلت عن الدلائل على دخول الإيمان
بالثواب والعقاب في أصل الدين، فهذا جواب مختصر عنه إن شاء
الله.يدخل فيه الإيمان بأن لكل مكلَّف ثوابا أو عقابا بعد الموت.فأما
من عرف التوحيد الذي منه العلم بأن لكل مكلف ثوابا أو عقابا
بعد الموت ووحّد الله فلم يشرك به شيئا ولم يعرف تفاصيل الجزاء فلا
يكفر إلا بعد إقامة الحجة عليه
وأما من ظن أن لبعض المكلفين ثوابا أو عقابا بعد الموت دون بعضٍ
فلم يحقق أصل الإيمان بالله، ويتبين هذا بالدلائل الآتية إن شاء الله.[/
size]
الدليل الأول: قال الله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ
إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) (المؤمنون)
وقال الطبري في تفسيره (83/19):وقوله أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ
عَبَثًا )يقول تعالى ذكره: أفحسبتم أيها الأشقياء أنا إنما خلقناكم
إذ خلقناكم، لعبا وباطلا وأنكم إلى ربكم بعد مماتكم لا تصيرون
أحياء، فتجزون بما كنتم في الدنيا تعملون؟
وقال الرازي في تفسيره (214/11): المسألة الثانية : أنه سبحانه
لما شرح صفات القيامة ختم الكلام فيها بإقامة الدلالة على وجودها
وهي أنه لولا القيامة لما تميز المطيع من العاصي والصديق من
الزنديق ، وحينئذ يكون خلق هذا العالم عبثاً
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (17/174)وَقَالَ تَعَالَى: أَفَحَسِبْتُمْ
أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ
الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ.قَالَ الْمُفَسِّرُونَ:الْعَبَثُ
أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا لَا لِحِكْمَةِ وَهُوَ جِنْسٌ مِنْ اللَّعِبِ - ثم قال -وَقَدْ بَيَّنَ
سُبْحَانَهُ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا أَمَرَ بِهِ وَمَا نَهَى عَنْهُ وَبَيْنَ مَنْ يَحْمَدُهُ
وَيُكْرِمُهُ مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَمَنْ يَذُمُّهُ وَيُعَاقِبُهُ مِنْ أَعْدَائِهِ وَأَنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ
لَا يَجُوزُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا.
وقال ابن القيم في التبيان في أقسام القرآن (ص 100): قال تعالى {
أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله
الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم } فجعل كماله ملكه
وكونه سبحانه الحق وكونه لا إله إلا هو وكونه رب العرش المستلزم
لربوبيته لكل ما دونه - مبطلا لذلك الظن الباطل والحكم الكاذب
وإنكار هذا الحسبان عليهم مثل إنكاره عليهم حسبانهم أنه لا يسمع
سرهم ونجواهم وحسبان أنه لايراهم ولا يقدر عليهم وحسبان أن يسوي
بين أوليائه وبين أعدائه في محياهم ومماتهم وغير ذلك مما هو منزه عنه
تنزيهه عن سائر العيوب والنقائص وأن نسبة ذلك كنسبة ما يتعالى
عنه مما لا يليق : من اتخاذ الولد والشريك ونحو ذلك مماي نكره
سبحانه على من حسبه أشد الإنكار فدل على أن ذلك قبيح ممتنع
نسبته إليه كما يمتنع أن ينسب إليه سائر ما ينافي كماله المقدس
اهـ
وقال الله تعالى: وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ (6)يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ
غَافِلُونَ (7)أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ
بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (الروم)
وقال أبو حيان في البحر المحيط، في تفسير هذه الآيات (82/9) ألا ترى
إلى قوله { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون }
كيف سمى تركهم غير راجعين إليه عبثاً؟
الدليل الثاني: قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا
بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ (39) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) (الدخان)
وقال ابن كثير في تفسيره (259/7) يقول تعالى مخبرًا عن عدله وتنزيهه
نفسه عن اللعب والعبث والباطل، كقوله: { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ
وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا
مِنَ النَّارِ } [ 27]، وقال { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ
إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ
الْكَرِيمِ } [ المؤمنون: 115 ، 116 ].
ثم قال: { إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ } وهو يوم القيامة، يفصل الله فيه بين
الخلائق، فيعذب الكافرين ويثيب المؤمنين.
وقال الواحدي في الوجيز (ص 890{ وما خلقنا السموات والأرض
وما بينهما لاعبين } ونحن نلعب في خلقهما ، أَيْ : إنَّما خلقناهما لأمرٍ
عظيم ، وهو قوله { ما خلقناهما إلاَّ بالحق } أَيْ : لإقامة الحقِّ
وإظهاره من توحيد الله وإلزام طاعته.
{ إنَّ يوم الفصل } وهو يوم القيامة ، يفصل الله تعالى فيه بين
العباد { ميقاتهم } الذي وقَّتنا لعذابهم { أجمعين }
الدليل الثالث:قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
(56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ
الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) (الذاريات)
وقال عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد (ص 14): قوله : وقول الله
تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } بالجر عطف على
التوحيد ويجوز الرفع على الابتداء. قال شيخ الإسلام : العبادة هى
طاعة الله بامتثال ما أمر الله به على ألسنة الرسل. وقال أيضا :
العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال
الظاهرة والباطنة. قال ابن القيم : ومدارها على خمس عشرة قاعدة
من كملها كمل مراتب العبودية وبيان ذلك : أن العبادة منقسمة
على القلب واللسان والجوارح والأحكام التى للعبودية خمسة : واجب
ومستحب وحرام ومكروه ومباح وهن لكل واحد من القلب واللسان
والجوارح
وقال القرطبى : أصل العبادة التذلل والخضوع وسميت وظائف الشرع
على المكلفين عبادات لأنهم يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذللين لله تعالى
ومعنى الآية : أن الله تعالى أخبر أنه ما خلق الجن والإنس إلا لعبادته
فهذا هو الحكمة في خلقهم
قلت : وهي الحكمة الشرعية الدينية
قال العماد ابن كثير : وعبادته هى طاعته بفعل المأمور وترك
المحظور وذلك هو حقيقة دين الاسلام لأن معنى الإسلام : الاستسلام لله
تعالى المتضمن غاية الانقياد والذل والخضوع انتهى
وقال أيضا فى تفسير هذه الاية : ومعنى الآية أن الله خلق الخلق
ليعبدوه وحده لا شريك له فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء ومن عصاه
عذبه أشد العذاب وأخبر أنه غير محتاج إليهم بل هم الفقراء فى جميع
أحوالهم وهو خالقهم ورازقهم
[size=24]وقال علي بن أبى طالب رضى الله عنه فى الآية إلا لآمرهم أن يعبدونى
وأدعوهم إلى عبادتي وقال مجاهد : إلا لآمرهم وأنهاهم اختاره
الزجاج وشيخ الإسلام قال: ويدل على هذا قوله { أيحسب الإنسان أن
يترك سدى } قال الشافعى : لا يؤمر ولا ينهى اهـ