مراحل الحياة وضروراتها
ما أبله من لا يعلم متى يأتيه الموت وهو لا يستعد للقائه
وأشد الناس بلهاً وتغفيلاً من عبر الستين وقارب السبعين –
فإن ما بينهما هو معترك المنايا
ومن نازل المعترك استعد - وهو مع ذلك غافل عن الاستعداد
قال الشباب لعلنا في شيبنا... ندع الذنوب فما يقول الأشيب ؟
والله إن الضحك من الشيخ ما له معنى وإن المزاح منه بارد المعنى
وإن تعرضه بالدنيا وقد دفعته عنها يضعف القوي ويضعف الرأي
وهل بقي لابن ستين منزل ؟
فإن طمع في السبعين فإنما
يرتقي إليها بعناء شديد إن قام دفع الأرض
وإن مشى لهث وإن قعد تنفس
ويرى شهوات الدنيا ولا يقدر على تناولها فإن أكل كد المعدة
وصعب الهضم وإن وطىء أذى المرأة وقع دنفاً
لا يقدر على رد ما ذهب من القوة إلى مدة طويلة
فهو يعيش عيش الأسير
فإن طمع في الثمانين فهو يزحف إليها زحف الصغير
وعشر الثمانين من خاضها... فإن الملمات فيها فنون
فالعاقل من فهم مقادير
الزمان فإن فيما قيل قبل البلوغ صبي ليس على عمره عيار
إلا أن يرزق فطنة ففي بعض
الصبيان فطنة تحثهم من الصغر على اكتساب المكارم والعلوم
فإذا بلغ فليعلم أنه زمان المجاهدة للهوى وتعلم العلم
فإذا رزق الأولاد فهو زمان
الكسب للمعاملة فإذا بلغ الأربعين انتهى تمامه
وقضى مناسك الأجل ولم يبق إلا الانحدار إلى الوطن
كأن الفتى يرقى من العمر معلماً... إلى أن يجوز الأربعين وينحطّ
فينبغي له عند تمام الأربعين أن يجعل جل همته التزود للآخرة
ويكون كل تلمحه لما بين يديه ويأخذ في الاستعداد للرحيل
وإن كان الخطاب بهذا لابن عشرين
إلا أن رجاء التدارك في حق الصغير لا في حق الكبير
فإذا بلغ الستين فقد أعذر الله إليه في الأجل وجاز من الزمن أخطره
فليقبل بكليته على جمع زاده وتهيئة آلات السفر
وليعتقد أن كل يوم يحيا فيه غنيمة ما هي في الحساب
خصوصاً إذا قوي عليه الضعف وزاد
وكلما علت سنه فينبغي أن يزيد
اجتهاده فإذا دخل في عشر الثمانين
فليس إلا الوداع وما بقي من
العمر إلا أسف على تفريط أو تعبد على ضعف
نسأل الله عز وجل يقظة تامة تصرف عنا رقاد الغفلات
وعملاً صالحاً نأمن معه من الندم يوم الانتقال والله الموفق