تذكرت في الهجرة الشريفةد. بدر عبد الحميد هميسه حينما يهلُ علينا عام هجري جديد . . نتذكر فيه الهجرة الشريفة المباركة . . نتذكر تاريخها . . أحداثها . . وقائعها . . معجزاتها .
حينما يأتي عام هجري جديد . . أجد قلبي وعقلي ينطلقان إلى هناك . . إلى أشرف البقاع وأطهرها وأعزها . . وأسماها وأعلاها . . إلى منازل الوحي الأولى حيث سرت أولى كلماته الرائعة : \" اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) سورة العلق .
وكأني بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يعود إلى زوجه الحنون الشفوق خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها وأرضاها , وهو يرتجف ويقول زملوني زملوني . . وكأني به وقد ذهب عنه الرَّوْع. فتسأله أم المؤمنين خديجة : \" ما بك يا محمد ؟\" فيقول لها : \" لقد خشيت على نفسي\". فتقول له في إيمان فطري وثقة نادرين , وحنو ومودة بالغين : \" أبْشِرْ، فَوَاللهِ لا يُخْزِيكَ الله أبدًا، وَوَاللهِ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتُؤَدِّي الأمانَةَ، وَتحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ عَلى نَوَائِبِ الْحَقّ\".( متفق عليه ).
ثم أحبت أن تطمأن فؤاده , وتثبت له حسن ظنها فيه . . فأخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان عنده علم بالكتب السابقة فقالت له :\" اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أخِيكَ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : \" فَسأَلنِي، فأخْبَرْتُهُ خَبَرِي، فَقالَ: هَذا النَّامُوسُ الَّذِي أُنزلَ عَلَى مُوسَى صَلى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ، لَيْتَنِي فِيها جَذَعٌ، لَيْتَنِي أكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، قُلْتُ: أوَ مُخْرِجيَّ هُمْ؟ قال: نَعَمْ، إنَّهُ لَمْ يَجِئ رَجُلٌ قَطّ بِمَا جِئْتَ بِهِ، إلا عُودِيَ، وَلَئِنْ أدْرَكَنِي يَوْمُك أنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا\".
وكأني برسول الله يعود بعدها إلى غار حراء لتلقى الوحي من جديد , ثم يُأمر من قِبل ربه سبحانه أن يبلغ رسالة الله إلى الناس \" يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) سورة المدثر .
ثم كأني برسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى كل صنوف الأذى هو ومن تبعه من المؤمنين . . وقد اشتد أذاهم عليه بعد وفاة نصيريه : عمه أبي طالب , وزوجه الرءوم خديجة .. لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ فَأَلْقَى عَلَيْهِ تُرَابًا ، فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ ، فَأَتَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ تَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ التُّرَابَ وَتَبْكِي قَالَ : فَجَعَلَ يَقُولُ : \" أَيْ بُنَيَّةُ ، لَا تَبْكِيَنَّ ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَانِعٌ أَبَاكِ \".. بأبي هو وأمي .
وكأني حينئذ بخباب بن الأرت رضي الله عنه يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم باكياً شاكياً أذى قريش ويقول \" يا رسول الله , أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا ، أَلاَ تَدْعُو لَنَا\" فيقول صلى الله عليه وسلم في إيمان وثقة لا يتزعزعان : \" قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهَا ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللهِ ، لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ\". أخرجه أحمد\" 5/109(21371) و\"البُخَارِي\" 4/244(3612) و\"أبو داود\" 2649 و\"النَّسائي\" 8/204 .
يا الله . . أيُ إيمان هذا . . وأيُ ثقة هذه ! ! .
ثم كأني برسول صلى الله عليه وسلم يستشرف المستقبل . . فيقابل الناس في موسم الحج ويدعوهم إلى دين التوحيد والخير والبر . . فيستجيب له نفر من أهل يثرب . . كانوا النواة الأولى لبذرة الإيمان في المدينة المنورة . . وقد خلدهم التاريخ . . وكتب أسماءهم بحروف من نور . . وهم : (أسعد بن زرارة - عوف ومعاذ ابنا عفراء - رافع بن مالك- ذكوان بن عبد قيس- عبادة بن الصامت - يزيد بن ثعلبة - العباس بن عبادة - عقبة بن عامر - عامر بن حديدة - أبو الهيثم مالك بن التيهان - عويم بن ساعدة ). . لله درهم من أبطال مؤمنين .
ثم بعث النبي - صلى الله عليه وسلم- معهم مصعب بن عمير ( أول سفير في الإسلام ) يعلمهم شرائع الإسلام ، ويفقههم في الدين ، ويقرؤهم القرآن ، وينشر الإسلام في ربوع المدينة ، فأقام رضي الله عنه في بيت أسعد بن زرارة يعلم الناس ، ويدعوهم إلى الله ، وتمكن خلال أشهر معدودة من أن ينشر الإسلام في سائر بيوت المدينة ، وأن يكسب للإسلام أنصارًا من كبار زعمائها ، كسعد بن معاذ ، و أسيد بن الحضير ، وقد أسلم بإسلامهما خلق كثير من قومهم ، كان سعد بن معاذ وأسيد بن حضير سيدَي قومهما من بني عبد الأشهل، وكانا مشركين على دين قومهما، فلما سمعا بمصعب بن عمير, ونشاطه في الدعوة إلى الإسلام قال سعد لأسيد: لا أبا لك، انطلق إلى هذين الرجلين, اللذين أتيا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما، وانههما أن يأتيا دارينا، فإنه لولا أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك، هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدمًا، فأخذ أُسيد حربته ثم أقبل عليهما، فلما رآه أسعد بن زرارة قال: هذا سيد قومه، وقد جاءك فاصدق الله فيه، قال مصعب: إن يجلس أكلمه، فوقف عليهما متشتمًا فقال: ما جاء بكما تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة، فقال له مص عب بلسان المؤمن الهادئ الواثق من سماحة دعوته: أو تجلس فتسمع فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن كرهته نكف عنك ما تكره؟ قال أسيد: أنصفت، ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلمه مصعب بالإسلام، وقرأ عليه القرآن، فقالا فيما يذكر عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإسلام -قبل أن يتكلم- في إشراقه وتسهله، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق, ثم تصلي, فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق، ثم قام فركع ركعتين، ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكم الآن: سعد بن معاذ.
ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد مقبلاً قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم. فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأسًا، وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدثت أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة, ليقتلوه, وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحقروك ,فقام سعد مغضبًا مبادرًا مخوفًا للذي ذكر له من أمر بني حارثة، وأخذ الحربة في يده ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئًا، ثم خرج إليهما سعد فوجدهما مطمئنين, فعرف أن أسيد إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف متشتمًا، ثم قال لأسعد بن زرارة: والله يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارنا بما نكره، وكان أسعد قد قال لمصعب: لقد جاء والله سيد من ورائه من قومه، إن يتبعك لا يتخلف منهم اثنان، فقال له مصعب: أَوَتقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمرًا ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره، فقال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة وجلس فعرض عليه الإسلام، وقرأ القرآن، وذكر موسى بن عقبة أنه قرأ عليه أول سورة الزخرف، قالا: فعر فنا –والله- في وجهه الإسلام -قبل أن يتكلم- في إشراقه وتسهله. ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم، ودخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل، فتطهر وتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي ركعتين، فقام فاغتسل وطهر ثوبيه، ثم تشهد شهادة الحق، ثم ركع ركعتين، ثم أخذ حربته فأقبل عائدًا إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير، فلما رآه قومه مقبلاً قالوا: نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم, فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيًا وأيمننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، قال: فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلمًا أو مسلمة.
ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام, حتى لم تبْقَ دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال مسلمون ونساء مسلمات . انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/442) .
فلله در مصعب بن عمير من سفير . . ولله دره من داع إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة .
ثم كأني برسول الله صلى الله عليه وسلم في موسم الحج في العام الذي يلي بيعة العقبة الأولى؛ وفد إلى مكة كثيرون من أهل المدينة ، فقابلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووعدهم المقابلة ليلاً عند العقبة ، وأمرهم أن يكتموا أمرهم فلا يطلع على ذلك أحد من كفار قريش ، فتوجهوا إلى موعدهم في منتصف الليل كاتمين أمرهم عمن معهم من المشركين (وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس، وكان باقياً على دين قومه، وإنما أحضره معه ليتوثق له) ، فلما اجتمعوا قال لهم العباس: إن ابن أخي هذا لم يزل في منعة من قومه ، فإن كنتم ترون أنكم قوامون له بما دعوتموه إليه من البيعة ، وما نعوه ممن خالفه ، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإلا فدعوه بين عشيرته ، فقال كبيرهم: إنما نريد الوفاء والصدق وبذل مهجنا دون رسول الله. وطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين لهم شروط البيعة ، فقال : أشترط لربى أن تعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئاً ، ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم متى قدمت عليكم. فبايعوه على ذلك، وكانوا ثلاثاً وسبعين رجلاً، منهم اثنان وستون من الخزرج ، وأحد عشر من الأوس ومعهم امرأتان ( هما : نسيب ة بنت كعب , وأسماء بنت يزيد ) وسميت هذه البيعة (بيعة العقبة الثانية).
واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم اثني عشر نقيباً: تسعة من الخزرج , هم : (أسعد بن زُرَارَة بن عدس. سعد بن الرَّبِيع بن عمرو. عبد الله بن رواحة بن ثعلبة. رافع بن مالك بن العَجْلان. البراء بن مَعْرُور بن صَخْر. عبد الله بن عمرو بن حَرَام. عبادة بن الصامت بن قيس. سعد بن عبادة بن دُلَيْم. المنذر بن عمرو بن خُنَيْس. ) وثلاثة من الأوس، هم : (أُسَيْد بن حُضَيْر بن سِمَاك. سعد بن خَيْثَمَة بن الحارث. رفاعة بن عبد المنذر بن زبير) وقال لهؤلاء النقباء: أنتم كفلاء على قومكم ؛ كل على عشيرته .
فلم يبق بيت من الأنصار إلا دخله الإسلام. أخرجه أحمد 3/322(14510) ,أخبار مكة , للفاكهي 7/38.
وبدأ المسلمون بعدها يهاجرون إلى المدينة ، وأخذ المشركون يحولون بينهم وبين خروجهم؛ لما كانوا يحسون به من الخطر. .
وفي يوم الخميس السادس والعشرين من شهر صفر سنة 14 من النبوة، أي بعد شهرين ونصف تقريبًا من بيعة العقبة الكبرى ـ عقد برلمان مكة ( دار الندوة ) وقرروا قتل النبي صلى الله عليه وسلم بأن يأخذوا من كل قبيلة فتى شابًا جليدًا نَسِيبا وَسِيطًا ، ثم يُعطى كل فتى منهم سيفًا صارمًا، ثم يعمدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيضربونه ضربة رجل واحد، فيقتلونه، وبذلك يتفرق دمه في جميع القبائل ، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا، فيرضون بالدية فتعطى لهم.. ولكن خاب سعيهم . . وأمام عناية الله تعالى بطل مكرهم . . \" وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) سورة : الأنفال.
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بين السيوف المصلتة , والحراب المتحفزة سليماً معافى . . \" وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) سورة يس .
وذهب النبي صلى الله عليه وسلم في الهاجرة ـ حين يستريح الناس في بيوتهم ـ إلى أبي بكر رضي الله عنه ليبرم معه مراحل الهجرة،
قالت عائشة رضي الله عنها: بينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعًا، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر.
قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.، فاستأذن،فأذن له فدخل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: (أخرج مَنْ عندك). فقال أبو بكر: إنما هم أهلك، بأبي أنت يا رسول الله. قال: (فأني قد أذن لي في الخروج)، فقال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم) قال: فخُذ إحدى راحلتيَّ هاتين.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بالثَّمَنِ» .ابن الجوزي : الوفا بتعريف فضائل المصطفى 137.
بالثمن . . نعم . . إنه يريد أن تكون هجرة خالصة لله رب العالمين . .
وكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على مشارف مكة وهو يغادرها مهاجراً إلى المدينة المشرفة . . فتتساقط الدموع على وجنتيه كأنها حبات اللؤلؤ . . فيبكي ونبكي معه وهو يقول : \" يا مكة والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إليَّ، ولولا أنَّ أهلك أخرجوني منكِ ما خرجْتُ \".
يا للحب الجارف للوطن والأرض والعرض . . يا للانتماء لموطن الأجداد والآباء
[بلادي وإِِن جارتْ عليَّ عزيزةٌ * * * وأهلي وإِن ضَنُّوا عليَّ كرامُ
[justify ]ثم أتذكر الصديق أبا بكر رضي الله عنه . . يا له من صديق صادق صدوق ! يا له من صاحب وفيّ مخلص . . كأني به وهو يمشي عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم مرة . . ثم يمشي عن يساره أخرى . . ثم يمشي أمامه ثالثة . . ثم يمشي خلفه رابعة . . فيسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فيقول : \"ذكر الرصد ( العدو ) فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون وراءك\" فلما انتهينا إلى الغار قال أبوبكر: يا رسول الله كما أنت حتى أيمه...فلما رأى أبوبكر حجراً في الغار فألقمها قدمه، وقال يا رسول الله إن كانت لسعة أو لدغة كانت بي\" منهاج السنّة (4/262،263).
أي حب هذا ؟! . . وأي إخلاص ذلك ؟! . . وأي تضحية تلك ؟! . .
ولم يكن أبو بكر وحده من بيت أبي قحافة هو الذي يضحي . . . بل كان أولاده يتسابقون معه في ميدان التضحية والجهاد . . في ميدان \" قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) سورة آل عمران .
فها هو عبد الله بن أبي بكر يذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأبيه أبي بكر في غار \" ثور \" فيبيت عندهما... قالت عائشة: وهو غلام شاب ثَقِف لَقِن، فيُدْلِج من عندهما بسَحَرٍ، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرًا يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، وكان يرعى عليهما عامر بن فُهَيْرَة مولى أبي بكر مِنْحَة من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رِسْل ـ وهو لبن مِنْحَتِهما ورَضيفِهما ـ حتى يَنْعِق بها عامر بن فُهَيْرَة بغَلَس، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالى الثلاث، وكان عامر بن فهيرة يتبع بغنمه أثر عبد الله بن أبي بكر بعد ذهابه إلى مكة ليُعَفي عليه.
وتأتي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ( ذات النطاقين ) بسُفْرَتِهما، ونسيت أن تجعل لها عِصَامًا، فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة، فإذا ليس لها عصام، فشقت نطاقها باثنين، فعلقت السفرة بواحد، وانتطقت بالآخر فسميت: ذات النطاقين .
يا له من فتى مؤمن شجاع . . ! ويا لها من فتاة شجاعة مؤمنة . .! إنهما غرسان من غراس الإسلام . . وغصنان من أغصان دوحة الإسلام اليانعة الباسقة .
ثم أتذكر قريشاً وقد جُن جنونها . . وأطار خبر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه لبها . . فأخذت في جنون تبحث عنهما في كل مكان . . حتى انتهى قفاء الأثر إلى الغار الذي يختبئ فيه النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه . . وبات الخطر وشيكاً . . ووصلت أصواتهم إلى سمع الصديق رضي الله عنه . .
[center]وما حوى الغـــارُ مِن خيرٍ ومِن كَرَمِ * * * وكُــلُّ طَرْفٍ مِنَ الكفارِ عنه عَمِي
فالصدقُ في الغــارِ والصدِّيقُ لم يَرِمَـا* * * وهُم يقولون مـا بالغــارِ مِن أَرِمِ
ظنُّوا الحمــامَةَ وظنُّوا العنكبوتَ على* * * خــيرِ البَرِّيَّـةِ لم تَنسُـجْ ولم تَحُمِ
وِقَـــايَةُ اللهِ أغنَتْ عَن مُضَــاعَفَةٍ* * * مِنَ الدُّرُوعِ وعن عــالٍ مِنَ الأُطُمِ[/centr]
هنا خاف الصديق ليس على نفسه إنما على النبي صلى الله عليه وسلم . . فهو فرد في أمة . . لكن النبي هو الأمة كلها . . هنا قال الصديق لرسول الله :" لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ \" فقال له النبي صلى الله عليه وسلم في ثبات المؤمن ويقينه بربه : \" يَا أَبَا بَكْرٍ ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا .. يَا أَبَا بَكْرٍ لَا تَحْزَنْ فَإِنّ اللّهَ مَعَنَا. فأنزل الله تعالى قوله : \" إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) سورة التوبة .
سهرت أعين ، ونامـت عيـون* * * في أمـور تكـون أو لا تكـون
فادرأ الهم ما استطعت عن النفس * * * فحملانـك الهـمـوم جـنـون
إن رباً كفاك بالأمس مـا كـان * * * سيكفيك فـي غـدٍ مـا يكـون
ثم أتذكر سراقة بن مالك بن جُعشم الذي طمع في جائزة قريش السنية ( مائة من الإبل ) لمن يأتيهم بمحمد حياً أو ميتاً ,أو بصاحبه أبي بكر . . فأخذ سراقة يقطع الصحراء بحثاً عنهما , حتى وصل إليهما . . يقول :" حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها، فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها، أضرهم أم لا، فخرج الذي أكره، فركبت فرسي، وعصيت الأزلام؛ تُقَرّب بي، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسي في الأرض، حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضتْ فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان( دخان ) ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم، أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي رسول الله : « يا سراقة , كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟» . . سوار كسرى . . أي إيمان وأي ثقة تجعل رجلاً فاراً بدينه . . وأهل الأرض يطلبون رأسه . . ثم يعد أعر ابياً فقيراً مسكيناً بماذا ؟ . . . بسواري كسرى . . كسرى ملك الفرس . . ويتحقق الوعد في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه , حينما أتته غنائم الفرس بعد القادسية, وفيها سواري كسرى فقال عمر : أين سراقة بن مالك ؟ فأتوه بشيخ مسن يتوكأ على عصاه , وقد كًف بصره . . فقال له عمر: ارفع يديك يا سراقة ثم فقال: الله أكبر، الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز الذي كان يقول: أنا رب الناس، وألبسهما سراقة بن مالك بن جعشم أعرابياًّ من بني مدلج، ورفع بها عمر صوته ثم أركب سراقة، وطيف به المدينة، والناس حوله، وهو يرفع عقيرته مردداً قول الفاروق: الله أكبر، الحمد الله الذي سلبهما كسرى بن هرمز، وألبسهما سراقة بن جعشم أعرابياًّ من بني مدلج . راجع : تاريخ الطبري 3/118 , الكامل في التاريخ 1/434, البداية والنهاية 7/ 73 , الروض الأنف (4/218).
كان سراقة في بداية أمره يريد القبض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسلمه لزعماء مكة لينال مائة ناقة، وإذا بالأمور تنقلب رأساً على عقب، ويصبح يرد الطلب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل لا يلقى أحداً من الطلب إلا رده قائلا: كفيتم هذا الوجه، فلما اطمأن إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وصل إلى المدينة المنورة، جعل سراقة يقص ما كان من قصته وقصة فرسه، واشتهر هذا عنه، وتناقلته الألسنة حتى امتلأت به نوادي مكة، فخاف رؤساء قريش أن يكون ذلك سبباً لإسلام بعض أهل مكة، وكان سراقة من بني مدلج، فكتب أبو جهل إليهم: [/size]
بني مدلج إني أخاف سفيهكم * * * سراقة مستغوٍ لنصر محمد
عليكم به ألا يفرق جمعكم * * * فيصبح شتى بعد عز وسؤدد
فقال سراقة يرد على أبي جهل:
أبا حكم والله لو كنتَ شاهداً * * * لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه
علمت ولم تَشْكُك بأن محمداً * * * رسول وبرهان فمن ذا يقاومه
عليك فكُف القوم عنه فإنني * * * أرى أمره يوماً ستبدو معالمه
بأمر تود الناس فيه بأسرهم * * * بأن جميع الناس طُراً مسالمه
ثم أتذكر قصة ( أم معبد ) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة مر هو ومن معه على خيمتي أم معبد الخزاعية ، فسألوها لحماً وتمراً، ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك، وكان القوم مُرْمِلين فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال: «ما هذه الشاة يا أم معبد؟» قالت: خلفها الجهد عن الغنم، قال: «فهل بها من لبن؟» قالت: هي أجهد من ذلك، قال: «أتأذنين أن أحلبها؟» قالت: بلى بأبي أنت وأمي، نعم، إن رأيت بها حلباً فاحلبها. فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها، وسمى الله عز وجل، ودعا لها في شاتها، فتفاجت عليه، ودرت واجترت . . ودعا بإناء يُرْبِض الرهط، فحلب فيها ثجا حتى علاه البهاء ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب آخرهم صلى الله عليه وسلم ثم أراضوا ثم حلب فيها ثانياً بعد بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها، ثم بايعها، وارتحلوا عنها. فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافاً يتساوكن هُزلا ضحى، مخهن قليل، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد، والشاة عازب حيال ولا حلوبة في البيت؟ .قالت: لا و الله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك، من حاله كذا وكذا، قال: صفيه لي يا أم معبد قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق، لم تعبه نحلة ولا تزر به صعلة وسيم في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي صوته صهل وفي عنقه سطع وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق، فصل لا هذر ولا نزر كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربع لا يأس من طول ولا تقتحمه العين من قصر غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال استمعوا لقوله وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود لا عابس ولا مُفنَّد \" قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً فقال أبو معبد هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً فأصبح صوت بمكة عالياً يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه وهو يقول:
جَزَى الله ربُّ الناس خيرَ جزائه *** رفيقَيْن حَلاَّ خيمَتيْ أمِّ مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلَا بِالْبَرّ ثُمّ تَرَوّحَا * * * فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمّدٍ
فيالَ قُصَيَ ما زَوَى الله عنكمُ *** به من فِعالٍ لا تُجَازَى وسُؤْدَدِ
سَلُوا أختكم عن شاتِها وإنائها *** فإنكمُ إنْ تَسْأَلوا الشاة تَشْهدِ
دعاها بشاةٍ حائلٍ فتحلَّبَتْ *** له بصريح ضَرَّةُ الشاةِ مُزْبِدِ
فغادَره رَهناً لديها لحالبٍ *** بَدرَّتها في مَصْدرٍ ثم مَوْرِدِ]فلما سمع حسان بن ثابت الأنصاري شاعر رسول الله شبب يجاوب الهاتف وهو يقول:لقد خاب قومٌ زالَ عنهم نبيُّهم *** وقُدِّس من يَسْري إليه ويَغْتدي
ترحَّلَ عن قومٍ فزالت عقولُهم *** وحلَّ على قوم بنورٍ مجدَّدِ
وهل يَسْتوي ضُلاَّلُ قوم تسفَّهوا*** عمًى وهداةٌ يقتدون بمهتدِي
نبيٌّ يرى ما لا يرَى الناسُ حولَه *** ويتلو كتابَ الله في كل مَشْهدِ
وإنْ قال في يومٍ مقالةَ غائِبٍ *** فتصديقُها في ضحوة اليوم أو غدِ
ليَهْنِ أبا بكر سعادةُ جَدِّه *** بصُحْبته، مَنْ يُسْعِد الله يَسْعَدِ
ويهْنِ بني كعب مكانُ فتاتهم *** ومقعدُها للمسلمين بمَرْصَدِ
راجع : سيرة ابن هشام 1/487 ,ابن جماعة الكتاني : المختصر الكبير فى سيرة الرسول 31.
أتذكر في الهجرة الشريفة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو مطارد من بلده لكنه وهو في طريق هجرته لا يترك الدعوة إلى الله تعالى . . . ففي الطريق لقى النبي صلى الله عليه وسلم بُريْدَة بن الحُصَيْب الأسلمى ومعه نحو ثمانين بيتًا، فأسلم وأسلموا، وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- العشاء الآخرة فصلوا خلفه، وأقام بريدة بأرض قومه حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أُحُد.
وكما بكى قلبي مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغادر أحب البلاد إلى الله وأحب البلاد إلى رسوله مكة المكرمة كرمها الله . . . كما بكى قلبي معه هناك . . فها هو قلبي الآن معه يأنس ويرتاح ويفرح بحسن استقبال أهل المدينة المنورة نورها الله تعالى بقدوم النور . . . ها هو قلبي ينشد فرحاً مع أهل المدينة : طـلـع الــبـدر عـلـينا **مـن ثـنيــات الـوداع
وجـب الشـكـر علـينا ** مـــا دعــا لـلـه داع
أيـهـا المبــعــوث فـينا ** جـئـت بـالأمـر المطاع
جئت شرفت المدينة * * مرحباً يا خير داعأرى قلبي يرتج بالتسبيح والتكبير كما ارتجت البيوت والسكك بأصوات الحمد والتسبيح، أراني أبكي فرحاً وأذوب شوقا للقاء النبي صلوات ربي وسلامه عليه . [/size]
أهلا وسهلا بالنبي وآله * * * وبصحبه في طيبة الأطهار
أرسى الحبيب بطيبة أسسا * * * بها قامت بصدق دولة الأنوا ر
حق وعدل واستقامة كم لها* * * للناس جمعا من سنا استقرار
ثم أتذكر أخوة الإيمان التي علت وسمت فوق أخوة النسب والعشيرة . .حتى صدق فيهم قول ربهم \" وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) سورة الحشر .
أتذكر كل ذلك مع مطلع العام الهجري الجديد . . وأسأل نفسي : هذا ما قدمه نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم للإسلام . . . وهذا ما قدمه تلك الثُلة المؤمنة التقية النقية من أصحابها للإسلام . . ضحوا بالنفس والنفيس من أجل هذا الدين . . تركوا أوطانهم وأرخصوا لله نفوسهم . . ما الذي جعل سلمان الفارسي رضي الله عنه يترك ما فيه من عز وسلطان ؟!. . يترك وطنه وأهله في بلاد فارس . . سوى البحث عن هذا الدين . . والتضحية من أجله . . ما الذي جعل صهيب الرومي يترك بلاد الروم . . ويتخلى عن كل ماله في مكة لقريش حينما اشترطوا عليه إن أراد الهجرة أن يترك لهم كل ما لديه من مال . . فكان الجزاء من جنس العمل . . حينما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة قال له : ربِحَ البيعُ أبا يحيى .. ربحَ البيعُ أبا يحيى .. ربح البيعُ أبا يحيى . . وبلال بن رباح يترك بلاد الحبشة . . وغيرهم كثير . .
هم هجروا وهاجروا . . هجروا المعاصي والأوثان . . وهاجروا إلى الحق والإيمان . .
ونحن ماذا هجرنا ؟ . . والى أي شيء هاجرنا ؟!.
هذا ما قدمه هؤلاء لدينهم . . هذا ما قدموه للإسلام . . فماذا قدمنا نحن للإسلام . . ؟! .
إنـي تذكـرتُ والذكـرى مؤرقـة *** مجـدا تليـداً بأيدنـا أضعنـاه
أنّى نظرت إلى الإسلام في بلد *** تجـده كالطيـر مقصوصـا جناحـاه
كم صرّفتنـا يـد كنـا نصرفهـا *** وبـات يحكمنـا شعـب ملكنـاه
اللهمَّ قد أصبحت أهواؤنا شيعا *** فامنن علينـا بـراع أنـت ترضـاه
راع يعيد إلى الإسلام سيرتـه *** يرعـى بنيـه وعيـن الله ترعـاه
اللَّهُم رَبَّنَا ما عَصَيْنَاك جَهْلاً بعُقُوْبَتِكَ، ولا تَعَرُّضًا لِعَذَابِك، ولَكِنْ غَرَّنَا سَتْرُكَ عَليْنَا،وأطْمَعَنَا عَفْوُكَ وبِرُّكَ بِنَا إلَهَنَا مَوْلانَا ثِقَتَنَا، رَجَاءَنَا، ارْحَمْ عِبَادًا غَرَّهُمْ طُولُ إِمْهَالِك،وأطْمَعَهُمْ كَثْرَةُ إِفْضَالِك، َقَدْ لاذُوا بِعِزِّك وجَلالِك ومَدُّوا أكُفَّهُم لِطَلَبِ نَوَالِك. يا خَيْرَ مَنْ سُئِل، ويا خَيْرَ مَنْ أعْطَى يا قَرِيْبًا مِمَّنْ دَعَاك، يا حَلِيْمًا على منْ عَصَاكَ.
اللهُمَّ اجْعَل ْ حُبَّك أحَبَّ الأشْياء إليَّ, واجْعَل خَشْيَتَكَ أَخْوَفَ الأشْياء عِندِي، واقْطَعْ عَنّي حاجاتِ الدُّنيَا بالشَّوْقِ إلى لِقَائِكَ، وإذا أقْرَرْتَ أَعْيُنَ أهْلِ الدُّنيا منْ دُنْيَاهُم فَأَقْرِرْ عَيْني منْ عِبَادَتِكَ.
[/justify]