ثبت في مستدرك الحاكم ـ رحمه الله ـ ان حبر يهود زيد بن سعنة أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونظر هذا الحبر اليهودي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بوجه غليظ ، وقال : يا محمد ، ألا تقضيني حقي ؟ فوالله ما علمتكم بني عبدالمطلب لمطل 0
عند ذلك نظر إليه عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ، ثم قال : يا عدو الله ، أتقول لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما اسمع ، وتفعل ما أرى ؟! فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر من لومه لضربت بسيفي رأسك ، ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينظر إلى عمر في سكون وتؤده وتبسم ، ثم قال : " أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك ، يا عمر ، أن تأمرني بحسن الأداء ، وتأمره بحسن التباعة ، اذهب يا عمر فاقضه حقه ، وزده عشرين صاعا من تمر " فأسلم اليهودي 0
أرأيت أيها الأخ المسلم كيف تفعل الكلمة الطيبة ؟! وكيف تقود مقابلة السيئة بالحسنة الناس إلى الخير والفلاح ؟!
إن هذا اليهودي يعلم أنه قد أخطأ في حق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين هاجمه بذلك العنف ، وتلك الشدة ، فلما لم يجد منه إلا تلك المعاملة النبوية الشريفة ما كان منه إلا أن يعلن انضمامه إلى الدين الجديد ، الذي ربى في نفوس اتباعه تلك الأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة ، وصدق الله : _( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) " فصلت : 34 ، 36 " 0
وها هو يهودي معه كلب يمر على إبراهيم بن ادهم ـ رحمه الله ـ فيقول له : ألحيتك يا إبراهيم اطهر من ذنب هذا الكلب أم ذنب هذا الكلب اطهر من لحيتك ؟ 0
فما كان من إبراهيم إلا أن قال بهدوء المؤمن الواثق من موعود الله ـ عز وجل ـ قال : إن كانت في الجنة لهي اطهر من ذنب كلبك ، وإن كانت في النار لذنب كلبك اطهر منها !!
فما ملك هذا اليهودي إلا أن قال : اشهد أن لا اله إلا الله ، واشهد أن محمدا رسول الله ، و الله ما هذه إلا أخلاق الأنبياء 0
كتبه :
عبدالحميد بن عبدالرحمن السحيباني