حكم ما إذا كان من الجائز تولي غير المسلم رئاسة القضاء في بلد مسلم.
ومفاد المسألة سؤال من الأخ محمد إقبال عما إذا كان من الجائز تولي غير المسلم لرئاسة القضاء في بلد مسلم.
القضاء من أعظم الأمور وأخطرها في حياة الناس؛ لما يقوم به من الفصل في منازعاتهم وخصوماتهم، بل في أدق خصوصياتهم! فإذا كان من الصعب على الإنسان أن يتخلى مثلاً عن حق يدعيه ظناً أو جزماً أنه له، فإن من السهل عليه أن يتخلى عن هذا الادعاء عندما يصدر القضاء حكمه بعدم حقه فيه؛ ذلك أنه حينئذٍ يعتقد أن القضاء قد كشف الحق وأعطاه لصاحبه، ومع أنه قد يجادل في ادعائه، ويتهم خصمه ويشكك في أدلته، إلا أنه سرعان ما يلتزم بما حكم به القضاء عليه.
من هنا كان القضاء معقد آمال الناس في حفظ دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وهو في شرع الإسلام من أعظم المسؤليات؛ لأنه ليس مجرد عمل يناط بمن له علم بقواعد الفصل بين المتخاصمين فحسب، وإنما هو أمانة كبرى ومن المصالح العظام للأمة، ويجب على من يتولى هذه الأمانة أن يكون على علم بالكتاب والسنة وآثار السلف والعلم هنا يعني إيمانه وتصديقه بهما، فإن لم يكن كذلك انتفت عنه صفة العلم وصفة الأهلية للقضاء.
ومن أهم الشروط في تولية القضاء أن يكون من يتولاه مسلماً، فعلى هذا لا يجوز تولية غير المسلم(1) للقضاء بين المتخاصمين، ولا يختلف أهل العلم المسلمين في هذه المسألة، بل لا يجوز تولية المسلم الفاسق(2) ومن في حكمه.
وفيما سأل عنه الأخ السائل تفصيل يتعلق بالأسس والقواعد التي يسير عليها القضاء في الفصل بين المتخاصمين، فإن كانت هذه القواعد من وضع البشر وفيها مخالفة للشرع الإسلامي فيتساوى الحكم فيما إذا كان الذي يتولى القضاء أو يرأسه مسلم أم غير مسلم. أما إن كانت الشريعة الإسلامية أساساً ومصدراً لهذه الأسس والقواعد فلا يجوز أن يتولى القضاء أو يرأسه إلا مسلم؛ ذلك أن غير المسلم - وإن كان قد درس الشرع الإسلامي ويستطيع القضاء بموجب أحكامه - إلا أن عدم إسلامه يكون مانعاً له من تولي القضاء والفصل به بين المسلمين.
والله تعالى أعلم.